سورة يس - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{أَءتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءالِهَةً} إنكارٌ ونفيٌ لاتِّخاذِ الآلهة على الإطلاقِ. وقوله: {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّى شفاعتهم شَيْئاً} أي لا تنفعني شيئاً من النَّفعِ. {وَلاَ يُنقِذُونَ} من ذلك الضُّرِّ بالنُّصرةِ والمظاهرةِ، استئنافٌ سبقَ لتعليلٍ النَّفي المذكور. وجعلُه صفةً لآلهةً كما ذهب إليه بعضُهم رُبَّما يُوهم أنَّ هناك آلهةً ليستْ كذلكَ. وقرئ: {إنْ يَردن} بفتح الياءِ على معنى إنْ يُوردني ضراً أي يجعلنِي مورداً للضُّرِّ {إِنّى إِذاً} أي إذا اتخذتُ من دونه آلهةً {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} فإنَّ إشراكَ ما ليس من شأنِه النَّفعُ ولا دفعُ الضُّرِّ بالخالق المقتدرِ الذي لا قادرَ غيرُه ولا خيرَ إلا خيرُه ضلال بيِّن لا يَخْفى على أحدٍ ممَّن له تمييزٌ في الجملةِ {إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ} خطاب منه للرُّسلِ بطريق التَّلوينِ قيل: لمَّا نصحَ قومَه بما ذُكر همُّوا برجمِه فأسرع نحوَ الرُّسلِ قبل أن يقتلُوه فقال ذلك، وإنَّما أكَّده لإظهارِ صدوره عنه بكمال الرَّغبةِ والنَّشاطِ وأصناف الربَّ إلى ضميرِهم رَوْماً لزيادة التَّقريرِ وإظهاراً للاختصاصِ والافتداءِ بهم كأنَّه قالَ بربِّكم الذي أرسلَكم أو الذي تدعُوننا إلى الإيمانِ به {فاسمعون} أي اسمعُوا إيمانيَ واشهدُوا لي به عند الله تعالى، وقيل: الخطابُ للكفرةِ شافههَم بذلك إظهاراً للتَّصلُّبِ في الدِّينِ وعدم المبالاة بالقتلِ، وإضافةُ الرَّبِّ إلى ضميرهم لتحقيقِ الحقِّ والتَّنبيهِ على بُطلان ما هم عليه من اتِّخاذِ الأصنامِ أرباباً وقيل للنَّاس جميعاً: {قِيلَ ادخل الجنة} قيل له ذلك لمَّا قتلُوه إكراماً له بدخولِها حينئذٍ كسائر الشُّهداءِ وقيل: لما همُّوا بقتله رفعَه الله تعالى إلى الجنَّةِ قاله الحسنُ. وعن قَتادةَ أدخلَه الله الجنَّةَ وهو فيها حيٌّ يُرزقُ. وقيل معناه البُشرى بدخولِ الجنَّةِ وأنَّه من أهلِها وإنَّما لم يُقل له لأنَّ الغرضَ بيانُ المقولِ لا القولِ له لظهوره وللمبالغةِ في المسارعةِ إلى بيانِه. والجملةُ استئنافٌ وقع جواباً عن سؤالٍ نشأ من حكايةِ حالِه ومقالهِ كأنَّه قيل: كان لقاءُ ربِّه بعد ذلك التصلُّب في دينه والتَّسخِّي بروجِه لوجهه تعالى فقيل قيل: ادخل الجنَّة. وكذلك قوله تعالى: {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} فإنَّه جوابِ عن سؤالِ نشأ من حكايةِ حالهِ كأنَّه قيل: فماذا قال عند نيلِه تلك الكرامةَ السَّنيةَ فقيل قال: إلخ وإنما تمنَّى علَم قومه بحاله ليحملَهم ذلك عن اكتسابِ مثله بالتَّوبةِ عن الكُفرِ والدخول في الإيمانِ والطَّاعةِ جرياً على سَننِ الأولياء في كظمِ الغيطِ. والتَّرحمِ على الأعداءِ أو ليعلموا أنهم كانُوا على خطأٍ عظيمٍ في أمره وأنَّه كان على الحقِّ وأنَّ عداوتَهم لم تكسبه إلاَّ سعادةً. وقرئ: {من المكرمين}. وما موصولةً أو مصدريةٌ والياءُ صلةُ يعلمون أو استفهاميةٌ وردتْ على الأصل والياءُ متعلِّقةٌ بغفرَ أي بأي شيءٍ غفرَ لي ربِّي يريدُ به تفخيمَ شأنِ المهاجرةِ عن ملَّتِهم والمصابرةِ. على أذيَّتِهم.


{وَمَا أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ} من بعد قتلِه أو رفعِه {مِن جُندٍ مّنَ السماء} لإهلاكِهم والانتقامِ منهم كما فعلناه يومَ بدرٍ والخندقِ كفينا أمرَهم بصيحةِ مَلَكٍ وفيه استحقارٌ لهم ولإهلاكهم وإيماء إلى تفخيمِ شأن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} وما صحَّ في حكمتِنا أنْ ننزلَ لإهلاكِ قومِه جُنداً من السَّماءِ لما أنَّا قَدَّرنا لكلِّ شيءٍ سَبَباً حيثُ أهلكنا بعضَ مَن أهلكنا من الأُمم بالحاصبِ وبعضَهم بالصيحة وبعضَهم بالخسفِ وبعضَهم بالإغراقِ وجعلنا إنزالَ الجندِ من خصائصِك في الانتصارِ من قومك. وقيل: ما موصولةٌ معطوفةٌ على جندٍ أي وما كنَّا مُنزلين على مَن قبلهم من حجارةٍ وريحٍ وأمطارٍ شديدةٍ وغيرِها {إِن كَانَتْ} أي ما كانتْ الأخذةُ أو العقوبةُ {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} صاحَ بها جبريلُ عليه السَّلامُ. وقرئ: {إلاَّ صيحةٌ} بالرَّفعِ على أنَّ كانَ تامَّةٌ. وقرئ: {إلا زَقيةً واحدةً} من زَقَا الطَّائرُ إذا صاحَ {فَإِذَا هُمْ خامدون} ميِّتُون شُبِّهوا بالنَّارِ الخامدةِ رَمْزاً إلا أنَّ الحيَّ كالنَّارِ السَّاطعةِ في الحَرَكةِ والالتهابِ والميِّتُ كالرَّمادِ قال لَبيدٌ:
وَمَا المرءُ إلاَّ كالشَّهاب وضوئِه *** يحورُ رَمَاداً بعدَ إذْ هُو ساطعُ
{ياحسرة عَلَى العباد} تعالى فهذه من الأحوالِ التي حقُّها أنْ تحضرِي فيها، وهي ما دلُّ عليه قولُه تعالى {مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} فإنَّ المستهزئينَ بالنَّاصحينَ الذين نيطت بنصائِحهم سعادةُ الدَّارينِ أحقَّاءُ بأنْ يتحسَّروا ويتحسَّرُ عليهم المتحسِّرون. أو قد تلهَّفَ على حالهم الملائكةُ والمؤمنون من الثَّقلينِ. وقد جُوِّز أنْ يكون تحسُّراً عليهم من جهةِ الله تعالى بطريق الاستعارةِ لتعظيم ما جنَّدوه على أنفسِهم. ويؤيِّده قراءةُ يَا حسرتَا لأنَّ المعنى يا حسرتِي ونصبُها لطولِها بما تعلَّق بها من الجارِّ وقيل: بإضمارِ فعلِها، والمنادى محذوفٌ وقرئ: {يا حسرةَ العبادِ} بالإضافةِ إلى الفاعلِ أو المفعولِ وياحسرة على العبادِ بإجراءِ الوصلِ مجرى الوقفِ.
{أَلَمْ يَرَوْاْ} أي ألم يعلمُوا وهو معلَّقٌ عن العمل في قوله تعالى {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون} لأنَّ كم لا يعملُ فيها ما قبلها وإنْ كانتْ خبريَّةً لأنَّ أصلَها الاستفهامُ خلا أنَّ معناه نافذٌ في الجُملةِ كما نفذَ في قولك ألم تَرَ إنَّ زيداً لمنطلقٌ وإن لم يعملْ في لفظه {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} بدلٌ من كم أهلكنا على المعنى أيْ ألم يروا كثرةَ إهلاكِنا من قبلهم من المذكُورين آنِفاً ومن غيرهم كونهم غير راجعين إليهم. وقرئ بالكسرِ على الاستئنافِ. وقرئ: {ألم يَرَوا من أهلكنا} والبدلُ حينئذٍ بدلُ اشتمالٍ.


{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} بيانٌ لرجوع الكلِّ إلى المحشرِ بعد بيان عدم الرُّجوعِ إلى الدُّنيا وأنْ نافية وتنوينُ كلٌّ عِوضٌ عن المضافِ إليهِ ولمَّا بمعنى إلاَّ، وجميعُ فعيلٌ بمعنى مفعولٍ، ولدينا ظرفٌ له أو لما بعده. والمعنى ما كلُّهم إلاَّ مجموعون لدينا مُحضرون للحسابِ والجزاءِ وقيل: محضرُون معذَّبون فكل ذلك عبارةٌ عن الكَفَرة. وقرئ: {لما} بالتَّخفيفِ على أنَّ إنْ مخَّففةٌ من الثقيلة واللاَّمُ فارقةٌ وما مزيدةٌ للتأكيد والمعنى أنَّ كلهم مجموعون الخ.
{وَءايَةٌ لَّهُمُ الارض الميتة} يالتَّخفيفِ وقرئ بالتَّشديدِ. وقوله تعالى آيةٌ خبرٌ مقدَّمٌ للاهتمامِ به وتنكيرُها للتفخيم ولهم إمَّا متعلِّقةٌ بها لأنَّها بمعنى العلامةِ أو بمضمرٍ هو صفة لها والأرضُ مبتدأٌ والميتةُ صفتُها. وقوله تعالى {أحييناها} استئنافٌ مبيّن لكيفَّيةِ كونها آيةً وقيل آيةٌ مبتدأٌ ولهم خبرٌ والأرضُ الميتةُ مبتدأ موصوف وأحييناها خبره، والجملة مفسِّرة لآية. وقيل: الإرض مبتدأ وأحييناها خبرُه والجملةُ خبرٌ لآيةٌ وقيل: الخبرُ لها هو الأرضُ وأحييناها صفتُها لأنَّ المرادَ بها الجنسُ لا المعيِّنة والأوَّلُ هو الأَولى لأنَّ مصبَّ الفائدةِ هو كونُ الأرضِ آيةً لهم لا كونُ الآيةِ هي الأرضُ. {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً} جنس الحبِّ {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} تقديم الصِّلةِ للدِّلالةِ على أنَّ الحبَّ معظم ما يُؤكل ويُعاش به.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا جنات مّن نَّخِيلٍ وأعناب} أي من أنواعِ النَّخلِ والعنبِ ولذلك جُمعا دون الحبِّ فإنَّ الدّالّ على الجنسِ مشعرٌ بالاختلافِ ولا كذلك الدَّالُّ على الأنواعِ. وذكرُ النَّخيلِ دُون التُّمور ليطابقَ الحبَّ والأعنابَ لاختصاص شجرها بمزيدِ النَّفعِ وآثار الصُّنعِ {وَفَجَّرْنَا فِيهَا} وقرئ بالتَّخفيفِ والفجرُ والتَّفجيرُ كالفتح والتفتيح لفظاً ومعنى {مِنَ العيون} أي بعضاً من العُيون فحذف الموصوفُ وأقيمتِ الصِّفةُ مقامَه أو العيون ومن مزيدةٌ على رأي الأخَفْشِ.
{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرَهِ} متعلِّقٌ بجعلنا وتأخيرُه عن تفجير العُيُون لأنَّه من مبادىءِ الأثمارِ أي وجعلنا فيها جنَّاتٍ من نخيلٍ ورتبنا مبادىء أثمارِها ليأكُلوا من ثمرِ ما ذُكر من الجنَّاتِ والنَّخيلِ بإجراء الضَّميرِ مجرى اسمِ الإشارةِ وقيل: الضَّميرُ لله تعالى بطريقِ الالتفاتِ إلى الغَيبةِ. والإضافةُ لأنَّ الثَّمرَ يخلقُه تعالى. وقرئ بضمَّتينِ وهي لغةٌ فيه أو جمع ثمارٍ وبضمَّةٍ وسكونٍ {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} عطفٌ على ثمرِه وهو ما يُتَّخذُ منه من العصير والدِّبس ونحوهما، وقيل: ما نافيةٌ والمعنى أن التمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم ومحلُّ الجملة النَّصبُ على الحاليةِ ويؤكد الأوَّلَ قراءةُ عملتُ بلا هاءٍ فإنَّ حذفَ العائدِ من الصِّلةِ أحسنُ من الحذفِ من غيرِها {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} إنكارٌ واستقباحٌ لعدم شكرِهم للنِّعم المعدودةِ والفاء للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أيرون هذه النِّعمَ أو أيتنعمون بها فلا يشكرونَها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8